البروفيسور سالم آل عبدالرحمن وعمر الإبداع البشري
تقديم د.عبدالعزيز السعدون
المدخل ويتضمن:
• الحدس
• متوسط أختبار الذكاء البشري يصل لحد أعلى عند آل عبدالرحمن قياساً مع غيره من العلماء.
• مرونة العمليات العصبية عبر الإثارة والإرجاع.
• رصيد العمر الأبداعي .
• أمثلة لحالات من الإبداع التي تحدث في سن متقدمة - إختيارات من التراث العالمي .
• بعض أعمال كبار المبدعين قد لا يحيط بها أهل الزمان من الأحياء.
• 15 موضوعاً يصلح ليكون مادة ثرية في الدراسات العليا لشهادة الدكتوراه.
• محاضن للمبدعين حتى يكونوا من علماء المستقبل .
محور اللقاء :
في إحدى برامجه العلمية والمثيرة جداً في حقل بحوث العقل والمحاكاة الحاسوبية والعمليات العصبية قال البروفيسور سالم آل عبدالرحمن أن الحدس Intuition لا يشكل أكثر من وجه من وجوه عملية الإبداع ،وهو الإشارة التي تسبق الحل وغالباً ما يأتي وهو محمل على غايات من الإبهام والغموض ، وهو لذلك يحتاج لإمكانيات غير عادية للكشف والفحص والتحليل . وهنا وجدناه يقدم صياغات مبتكرة في تنمية الحدس وهي تعتمد على بعض النماذج غير المسبوقة توصيفاً وتحليلاً عنده.
وهو بعد أن يفرق بين الحدس و التصوّر envisage يغوص بمفردات التحليل الخاصة بموضوعه " الحدس" ويطرقه بإستفاضة عند الكثير من العلماء والمفكرين عبر التاريخ إبتداءاً من العلماء العرب كابن سينا والغزالي وغيرهم حتى عصر النهضة مع ديكارت ثم ينعطف عند كارل يونغ والفيلسوف الأمريكي " بيري " والعالم الفرنسي الشهير " كلود برنار " وغيرهم .
وذكر : من خلال دراستنا للأبحاث التي أجراها D. Wechsler وغيره مع المقارنة بما توصلنا له من نتائج فأننا يمكن أن نقول بأن متوسط النتائج في إختبارات الذكاء يصل إلى حده الأعلى حوالي سن الخامسة والعشرين ( إختار ويكسلر سن العشرين ) ثم يبدأ بالإنحدار وليس بالضرورة أن يكون ذلك بشكل مباغت أو متتابع على الأثر ،إذ قد يبقى المنحني لفترة وهو ماكث فيها عند الأوج لعدة سنوات قد تصل لنحو أكثر من عقد ويمكن لنا أن نمد بهذه الفترة لسنوات أطول حيث يحتفظ بالحد الأعلى وذلك لمرونة العمليات العصبية .
وعقب بعدها قائلاً : ولقد كنت قد توقفت لفترة طويلة نسبياً عند دراستي لأعمال هيلسنكو مع مجموعة من زملاءه Hilcenko et al حيث ذهبوا لدراسة ديناميكية العمليات العصبية وإرتباطها بالعمر يوم وجدت أن هناك ثلة من الخبراء والعلماء كانت تنقصهم المعلومات المكثفة في هذا الباب تحديدا ً .
وكانت أحدى غاياتي أن أتوسع بدراسة مرونة العمليات العصبية عبر الإثارة والإرجاع فأستفتحت بفصل أدرس فيه سرعة ظهور العمليات العصبية كإستجابة للمثير ،وسرعة توقف العمليات العصبية عند توقف المثير ،وكذلك ركزت على سرعة عمليات الإنتشار والتركيز في حال الإرجاع وبالعكس ،وعكفت أيضاً على تحليل مرونة عمليات الإثارة والإرجاع وبثثت ذلك في العديد من برامجي الخاصة بالتدريب والتأهيل العالي البشري.
ولقد لاحظت بأن تحديد مؤشر مرونة العمليات العصبية يكون عبر قياس سرعة رد الفعل تجاه المثيرات المتتابعة والتي تحدث بسرعات عالية وفي جوانب محددة من العمليات ، وبعد تحليل المعطيات ظهر لي بأن حد مؤشر المرونة يمكن أن يبدأ بين سن السابعة ويستمر حتى سن الخامسة والعشرين والسابعة والعشرين من العمر ،ثم يأخذ الخط بالإنحدار ما لم يوافق منبهات ومحفزات حسية خاصة وقد برهنت على قوة أثر مجموعة خاصة من المنبهات والمحفزات وبأنه يمكن لها إن جاءت وتحت رعاية وإستنبات خاص ، فإنه يمكن لها أن تمد مؤشر المرونة وتعلي برصيده لغاية ما فوق الأربعين .
وقال : يمكن أن نرفع رصيد العمر الإبداعي لما فوق الأربعين كما يمكن أن نتوج حركة سعي التفاعل المجموعي للعمليات العصبية بعد بدأ مؤشر المرونة بالإنحدار التدريجي بحيث نحصر عمليات التفوق في العطاء المعرفي حتى لغاية ما بعد السبعين ،ولقد تتبعت من خلال بحوثنا التي شملت الكثير من التحليلات لمعطيات العديد من كبار المفكرين والعلماء فيما بعد الخامسة والسبعين ووجدنا في حالات خاصة قوة إندفاع للمؤشر حتى عند مقتربات الثمانين من العمر وكانت لي شواهد حية عديدة وكان من بينها بعض كبار أساتذتي رعاهم الله .
وهنا ذكر البروفيسور سالم آل عبدالرحمن بعض حالات الإبداع التي تحدث في سن متقدمة وقدم لها بعض الأمثلة من التراث العالمي فقال : لقد أبدع فيردى ( Verdi ) أوبرا فالستاف وهو في سن الثمانين ،وكتب مارك توين Mark Twain جورنال حواء وهو في سن الواحدة والسبعين. أما غراهام بيل فقد حسن وطور في الهاتف وهو في سن الثامنة والخمسين وحل مشكلة ثبات التوازن في الطائرة وهو في سن السبعين ،و غوته عاش حتى سن الثالثة والثمانين لكنه كتب فيما بين الثانية والسبعين والواحدة والثمانين من عمره الجزء الثاني لقصة Wilhelm Meisterأما في سن الثانية والثمانين فقد أنهى الجزء الثاني من كتابه " فاوست ".
وكانت من أمثلته من التراث العالمي لمن تأوجت طاقاتكم الإبداعية وهم بين السابعة عشرة والثانية والعشرين : بولياي Bolyai وقال بأنه أرسى الإكتشافات الأولية لتكوين الهندسة اللاأقليدية وهو في سن الواحد والعشرين ،وذكر بأن أرسطو بحث سرعة السقوط الحر للأجسام وهو في التاسعة عشرة من عمره ، أما غاليلو فقد أعد وهو في الثامنة عشرة قوانين البندول بناءاً على ملاحظاته قبل عام للإهتزازات التي كان يحدثها قنديل الكاتدرائية في بيزا . وأشار هنا إلى وارد F.O.Ward وقال بأنه نشر كتابه في " علم العظام " وهو ما زال في كلية الطب ويعد كتابه هذا مرجعاً في تاريخ التشريح ،كما ذكر لافوازيه الذي حصل على الميدالية الذهبية من الحكومة الفرنسية لإعداده أفضل طريقة لإنارة الشوارع وقال بأن سولفاي E.Solvay كان وهو في بداية العشرين قد طور أساليب العمل الخاصة بصناعة المياه الغازية بعد أن استبدل طريقة لو بلان .
وذكر أيضاً في معرض حديثه على أن معطيات ونتائج الكثير من المبدعين بالعالم قد لا نحصل عليها في زمن تألقها ورواجها عند أصحابها - وتأسف كثيراً لذلك . كما ذكر حالة أخرى وهي أنه قد لا تُفهم بعض الأعمال أو النظريات العلمية العالية لبعض المبدعين حتى من خواص العلماء في زمن عرضها الأول ولربما إحتاج ذلك لظهور أكثر من جيل حتى تُدرك ،وبين عدة أسباب لذلك وقدم لكيفيات التعامل المناسب معها خاصة في المحاضن المستنبتة للعلماء كما دعا رعاه الله ، وأختار كمثال هنا ما حدث للرياضي الفرنسي " أيفرست كالوا " Galois Evériste وقال بأنه تمكن من صياغة النظرية العامة في حلول المعادلات الجبرية ،لكنه لما شرع بعرضها على أكاديمية العلوم تم رفضها وذلك لمدة خمسة عشرة عاماً وكانت تصريحات نخبة العلماء في تلك الاكاديمية تقول بأن هذه النظرية غير معقولة ولا يمكن قبولها ،إلا أن الزمن تكفل وبعد مضي عدة عقود على إثبات جدواها ،وكان من بين لطائف ما ذكره آل عبدالرحمن أنه قال : تأملوا أحبتي أن " كالوا " بدأ بالتفكير في هذه النظرية وهو في سن الثامنة عشرة ثم إستطاع أن يسجلها بعد أن بلغ العشرين من العمر ويقدر الله أن يعثر عليها في رسالة بعث بها " كالوا " إلى صديق له وذلك في الليلة التي سبقت موته .
ونبه على أن مجالات إستنبات المبدعين - خاصة الذين يتوقع عندهم ظهور مؤشرات عمليات عصبية مرنة وطويلة- بحاجة ماسة لكثير من الدراسات وهنا قدم أكثر من 15 موضوعاً يصلح ليكون مادة ثرية في الدراسات العليا - كالدكتوراه .
وعقب بعدها قائلاً : وكم كنت أتمنى ولا زلت أن يعتنى بأهل الإبداع وبأعمالهم خاصة الشباب منهم وذلك من قبل القيادات الواعية والحريصة في أمتنا العربية والإسلامية عبر إقامة المحاضن والمستنبتات للعلماء الشباب في دول عالمنا الإسلامي بحيث تخصص لها الميزانيات اللائقة وتعقد لها المؤسسات الراسخة الطموح وطالب هنا بضرورة أن يُفسح المجال لتبني ودعم مشاريع المبدعين حتى ترى النور إبتداءاً من المحاضن الخاصة بهم وحتى تصل لبعض المؤسسات المنتفعة منها ،وهو هنا لا يترك الموضوع عند هذه الإشارة بل نراه يذهب ليُقرر مجموعة من الآليات والمقومات والمعايير المركزة في مضمار تصميم مثل هذه المحاضن لتخرج أجيالاً خاصة من العلماء .
وكان مما قاله هنا : وهذا لعمري سيكون من الأبواب التي يمكن أن تجعلنا نُعيد تلكم الأمجاد العطرة من عصورنا الذهبية التي أمتدت بين القرون المفضلة للهجرة وحتى القرن الخامس عشر الميلادي وما ذلك على الله بعزيز..
منقول